الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **
قال أبو محمد: اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام فذهب بعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقد روينا هذا القول نصاً عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وعن جماعة من التابعين والفقهاء وذهبت الخوارج كلها وبعض أهل السنة وبعض المعتزلة وبعض المرجئة إلى أن أفضل الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر. وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب وبهذا قال أبو عاصم النبيل وهو الضحاك بن مخلد وعيسى بن حاضر قال عيسى وبعد جعفر حمزة رضي الله عنه. وروينا عن نحو عشرين من الصحابة أن أكرم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وثلاث رجال لا يعد أحد عليهم بفضل سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وعباد بن بشر وروينا عن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها تذكرت الفضل ومن هو خير فقال ت ومن هو خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وروينا عن مسروق بن الأجدع وتميم بن حذلم وإبراهيم النخعي وغيرهم أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود قال تميم وهو من كبار التابعين رأيت أبا بكر وعمر فما رأيت مثل عبد الله بن مسعود وروينا عن بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب وأنه أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما وبلغني عن محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري أنه كان يذهب إلى هذا القول. قال داود بن علي الفقيه رضي الله عنه أفضل الناس بعد الأنبياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الصحابة الأولون من المهاجرين ثم الأولون من الأنصار ثم بعدهم منهم ولا نقطع على إنسان منهم بعينه أنه أفضل من آخر من طبقته ولقد رأينا من متقدمي أهل العمل ممن يذهب إلى هذا القول و قال لي يوسف بن عبد الله بن عبد البر النميري غير ما مرة أن هذا هو قوله ومعتقده. قال أبو محمد: والذي نقول به وندين الله تعالى عليه ونقطع على أنه الحق عند الله عز وجل أن أفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم لقول الله عز وجل " قال أبو محمد: ثم نقول وبالله تعالى التوفيق إن الكلام المهمل دون تحقيق المعنى المراد بذلك الكلام فإنه طمس للمعاني وصد عن إدراك الصواب وتعريج عن الحق وإبعاد عن الفهم وتخليط وعمي فنبدأ بعون الله تعالى وتأييده بتقسيم وجوه الفضل التي بها يستحق التفاضل فإذا استبان معنى الفضل وعلى ماذا تقع هذه اللفظة فبالضرورة نعلم حينئذ أن من وجدت فيه هذه الصفات أكثر فهو أفضل بلا شك فنقول ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أن الفضل ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما فضل اختصاص من الله عز وجل بلا عمل وفضل مجازاة من الله تعالى بعمل فأما فضل الاختصاص دون عمل فإنه يشترك فيه جميع المخلوقين من الحيوان الناطق والحيوان غير الناطق والجمادات والأعراض كفضل الملائكة في ابتداء خلقهم على سائر الخلق وكفضل الأنبياء في ابتداء خلقهم على سائر الجن والأنس وكفضل إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الأطفال وكفضل ناقة صالح عليه السلام على سائر النوق وكفضل ذبيحة إبراهيم عليه السلام على سائر الذبائح وكفضل مكة على سائر البلاد وكفضل المدينة بعد مكة على غيرها من البلاد وكفضل المساجد على سائر البقاع وكفضل الحجر الأسود على سائر الحجارة وكفضل شهر رمضان على سائر الشهور وكفضل يوم الجمعة وعرفة وعاشوراء والعشر على سائر الأيام وكفضل ليلة القدر على سائر الليالي وكفضل صلاة الفرض على النافلة وكفضل صلاة العصر وصلاة الصبح على سائر الصلوات وكفضل السجود على القعود وكفضل بعض الذكر على بعض فهذا هو فضل الاختصاص المجرد بلا عمل فأما فضل المجازاة بالعمل فلا يكون البتة إلا للحي الناطق من الملائكة والأنس والجن فقط وهذا هو القسم الذي تنازع الناس فيه في هذا الباب الذي نتكلم فيه الآن من أحق به فوجب أن ننظر أيضاً في أقسام هذا القسم التي بها يستحق الفضل فيه والتقدم فنحصرها ونذكرها بحول الله وقوته ثم ننظر حينئذٍ من هو أحق به وأسعد بالنسوق فيه فيكون بلا شك أفضل ممن هو أقل حظاً فيها بلا شك وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله تعالى نستعين إن العامل يفضل العامل في عمله بسبعة أوجه لا ثامن لها وهي المائية وهي عين العمل وذاته والكمية وهي العرض في العمل والكيفية والكم والزمان والمكان والإضافة فأما المائية فهي أن تكون الفروض من أعمال أحدهما موافاة كلها ويكون الآخر يضيع بعض فروضه وله نوافل أو يكون كلاهما وفي جميع فرضه ويعملان نوافل زائدة إلا أن نوافل أحدهما أفضل من نوافل الآخر كأن يكون أحدهما يكثر الذكر في الصلاة والآخر يكثر في الذكر في حال جلوسه وما أشبه هذا وكإنسانين قاتل أحدهما في المعركة والموضع المخوف وقاتل الآخر في الردء أو جاهد أحدهما واشتغل الآخر بصيام وصلاة تطوع أو يجتهدان فيصادف أحدهما ويحرمه الآخر فيفضل أحدهما الآخر في هذه الوجوه بنفس عمله أو بان ذات عمله أفضل من ذات عمل الآخر فهذا التفاضل في المائية من العمل وأما الكمية وهي العرض فإن يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله تعالى لا يمزج به شيئاً البتة ويكون الآخر يساويه في جميع عمله إلا أنه ربما مزج بعمله شيئاً من حب البر في الدنيا وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه وربما مزجه بشيء من الرياء ففضله الأول بعرضه في عمله وأما الكيفية فأن يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقوقه ورتبه لا منتقصاً ولا متزيداً ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه وإن لم يعطل منه فرضاً أو يكون أحدهما يصفى عمله من الكبائر وربما أتي الآخر ببعض الكبائر ففضله الآخر بكيفية عمله وأما الكم فأن يستويا في أداء الفرض ويكون أحدهما أكثر نوافل ففضله هذا بكثرة عدد نوافله كما روي في رجلين أسلما وهاجرا أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استشهد أحدهما وعاش الآخر بعده سنة ثم مات على فراشه فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما في النوم وهو آخرهما موتاً في أفضل من حال الشهيد فسأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام كلاماً معناه فأين صلاته وصيامه بعده ففضل أحدهما الآخر بالزيادة التي زادها عليه في عدد أعماله وأما الزمان فكمن عمل في صدر الإسلام أو في عام المجاعة أو في وقت نازلة بالمسلمين وعمل غيره بعد قوة الإسلام وفي زمن رخاء وأمن فإن الكلمة في أول الإسلام والتمرة والصبر حينئذ وركعة في ذلك الوقت تعدل اجتهاد الأزمان الطوال وجهادها وبذل الأموال الجسام بعد ذلك ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعو إلى أصحابي فلو كان لأحدكم مثل أحدٍ ذهباً فأنفقه ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه فكان نصف مد شعير أو تمر في ذلك الوقت أفضل من جبل أحد ذهباً ننفقه نحن في سبيل الله عز وجل بعد ذلك قال الله تعالى " قال أبو محمد: هذا في الصحابة فيما بينهم فكيف بمن بعدهم معهم رضي الله عنهم أجمعين. قال أبو محمد: وهذا يكذب قول أبي هاشم محمد بن علي الجبائي وقول محمد بن الطيب الباقلاني فإن الجبائي قال جائز أن طال عمر امرئ أن يعمل ما يوازي عمل نبي من الأنبياء و قال الباقلاني جائز أن يكون في الناس من هو أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث بعث بالنبوة إلى أن مات. قال أبو محمد: وهذا كفر مجرد وردة وخروج عن دين الإسلام بلا مرية وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في إخباره أنا لا ندرك أحداً من أصحابه وفي إخباره عليه السلام عن أصحابه رضي الله عنهم بأنه ليس مثلهم وإنه أتقاهم وأعلمهم بما يأتي وما يذر وكذلك قال ت الخوارج والشيعة يفضلون أنفسهم وهم شر خلق الله عز وجل على أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعائشة وجميع الصحابة رضي الله عنهم حاشا عليا والحسن والحسين وعمار بن ياسر والخوارج يفضلون أنفسهم وهم شر خلق الله تعالى وكلاب النار على عثمان وعلي وطلحة والزبير ولقد خاب من خالف كلام الله تعالى وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: وكذلك القليل من الجهاد والصدقة في زمان الشدائد أفضل من كثيرهما في وقت القوة والسعة وكذلك صدقة المرء بدرهم في زمان فقره وصحته يرجو الحياة ويخاف الفقر أفضل من الكبير يتصدق به في عرض غناه وفي وصيته بعد موته وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق درهم مائة ألف وهو إنسان كان له درهمان تصدق بأحدهما والآخر عمد إلى عرض ماله تصدق منه بمائة ألف وكذلك صبر المرء على أداء الفرائض في حال خوفه ومرضه وقليل تنقله في زمان مرضه وخوفه أفضل من عمله وكثير تنقله في زمان صحته وأمنه ففضل من ذكرنا غيرهم بزمان عملهم وكذلك من وفق لعمل الخير في زمان آخر أجله هو أفضل ممن خلط في زمان آخر أجله وأما المكان فكصلاة في المسجد الحرام أو مسجد المدينة فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما وتفضل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمائة درجة وكصيام في بلد العدو أو في الجهاد على صيام في غير الجهاد ففضل من عمل في المكان الفاضل غيره ممن عمل في غير ذلك المكان بمكان عمله وإن تساوى العملان وأما الإضافة فركعة من نبي أو ركعة مع نبي أو صدقة من نبي أو صدقة معه أو ذكر منه أو ذكر معه وسائر أعمال البر منه أو معه فقليل ذلك أفضل من كثير الأعمال بعده ويبين ذلك ما قد ذكرنا آنفاً من قول الله عز وجل " قال أبو محمد: وبهذا قطعنا على أن كل عمل عملوه بأنفسهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لا يوازي شيئاً من البر عمله ذلك الصاحب بنفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا ما عمله غير ذلك الصاحب بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان غير ما نقول لجاز أن يكون أنس وأبو أمامة الباهلي وعبد الله بن أبي أوفى وعبد الله بن بسر وعبد الله بن الحارث بن جزء وسهل ابن سعد الساعدي رضي الله عنهم أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب ومصعب بن عمير وعبد الله بن جحش وسعد بن معاذ وعثمان بن مظعون وسائر السابقين من المهاجرين والأنصار المتقدمين رضي الله عنهم أجمعين لأن بعض أولئك عبدوا الله عز وجل بعد موت أولئك بعضهم بعد موت بعض بتسعين عاماً فما بين ذلك إلى خمسين عاماً وهذا ما لا يقوله أحد يعتد به. قال أبو محمد: وبهذا قطعنا على أن من كان من الصحابة حين موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من آخر منهم فإن ذلك المفضول لا يلحق درجة الفاضل له حينئذ أبداً وإن طال عمر المفضول وتعجل موت الفاضل وبهذا أيضاً لم نقطع على فضل أحد منهم رضي الله عنهم حاشا من ورد فيه النص من النبي صلى الله عليه وسلم ممن مات منهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بل نقف في هؤلاء على ما نبينه بعد هذا إن شاء الله تعالى. قال أبو محمد: فهذه وجوه الفضائل بالأعمال التي لا يفضل ذو عمل ذا عمل فيما سواها البتة نتيجة هذه الوجوه كلها وثمرتها ونتيجة فضل الاختصاص المجرد دون عمل أيضاً لا ثالث لهما البتة أحدهما إيجاب الله تعالى تعظيم الفاضل في الدنيا على المفضول فهذا الوجه يشترك فيه كل فاضل بعمل أو اختصاص مجرد بلا عمل من عرض أو جماد أو حي ناطق أو غير ناطق وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم الكعبة والمساجد ويوم الجمعة والشهر الحرام وشهر رمضان وناقة صالح وإبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله والملائكة والنبيين على حميعهم صلوات الله وسلامه والصحابة أكثر تعظيمنا وتوقيرنا غير ما ذكرنا من المواضع والأيام والنوق والأطفال والكلام والناس هذا ما لا شك فيه وهذا خاصة كل فاضل لا يخلو منها فاضل أصلاً ولا يكون البتة إلا لفاضل والوجه الثاني هو إيجاب الله تعالى للفاضل درجة في الجنة أعلى من درجة المفضول إذ لا يجوز عند أحد من خلق الله تعالى أن يأمر بإجلال المفضول أكثر من إجلال الفاضل ولا أن يكون المفضول أعلى درجة في الجنة من الفاضل ولو جاز ذلك لبطل معنى الفضل جملة ولكان لفظاً لا حقيقة له ولا معنى تحية وهذا الوجه الثاني الذي هو علو الدرجة في الجنة هو خاصة لكل فاضل بعمل فقط من الملائكة والأنس والجن وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: فكل مأمور بتعظيمه فاضل وكل فاضل فمأمور بتعظيمه وليس الإحسان والبر والتوقير والتذلل المفترض في الأبوين الكافرين من التعظيم في شيء فقد يحسن المرء إلى من لا يعظم ولا يهين كإحسان المرء إلى جاره وغلامه وأجيره ولا يكون ذلك تعظيماً وقد يبر الإنسان جاره والشيخ من أكرته ولا يسمى ذلك تعظيماً وقد يوقر الإنسان من يخاف ضره ولا يسمى ذلك تعظيماً وقد يتذلل الإنسان للمتسلط الظالم ولا يسمى ذلك تعظيماً وفرض قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم وأبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه و قال عز وجل " قال أبو محمد: وقد يكون دخول الجنة اختصاصاً مجرداً دون عمل وذلك للأطفال كما ذكرنا قبل فإذا قد صح ما ذكرنا قبل يقيناً بلا خلاف من أحد في شيء منه فبيقين ندري أنه لا تعظيم يستحقه أحد من الناس في الدنيا بإيجاب الله تعالى ذلك علينا بعد التعظيم الواجب علينا للأنبياء عليهم السلام أوجب ولا أوكد مما ألزمنا الله تعالى من التعظيم الواجب علينا لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى " قال أبو محمد: فإذ لا شك في هذا كله فقد امتنع يقيناً أن يجازى بالأفضل من كان أنقص فضلاً وأن يجازي بالأنقص من كان أتم فضلاً وصح ضرورة أنه لا يجزى أحد من أهل الأعمال في الجنة إلا بما استحقه برحمة الله تعالى جزاء على عمله ولله تعالى أن يتفضل على من شاء بما شاء وجائز أن يقدم على ذوي الأعمال الرفيعة قال تعالى " قال أبو محمد: وأما فضلهن على بنات النبي صلى الله عليه وسلم فبين بنص القرآن لا شك فيه قال الله عز وجل " قال أبو محمد: فهذا فضل ظاهر وبيان لائح في أنهن أفضل من جميع الصحابة رضي الله عنهم وبهذه الآية صحة متيقنة لا يمتري فيها مسلم فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وفاطمة وسائر الصحابة رضي الله عنهم إذا عمل الواحد منهم عملاً يستحق عليه مقداراً ما من الأجر وعملت امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك العمل بعينه كان لها مثل ذلك المقدار من الأجر فإذا كان نصيف الصحابى وفاطمة رضي الله عنهم يفي بأكثر من مثل جبل أحد ذهباً ممن بعده كان للمرأة من نسائه عليه السلام في نصيفها أكثر من مثلي جبلين اثنين مثل جبل أحد ذهباً وهذه فضيلة ليست لأحد بعد الأنبياء عليهم السلام إلا هن وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يوعك كوعك رجلين من أصحابه لأن له على ذلك كفلين من الأجر. قال أبو محمد: وليس بعد هذا بيان في فضلهن على كل أحد من الصحابة إلا من أعمى الله قلبه عن الحق ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: وقد اعترض علينا بعض أصحابنا في هذا المكان بقول الله تعالى عن أهل الكتاب إذ آمنوا " قال أبو محمد: واعترض علينا أيضاً بعض الناس في الحديث الذي فيه أن عائشة أحب الناس إليه ومن الرجال أبوها بأن قال قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأسامة بن زيد أن أباه أحب الناس إلي وأن هذا أحب الناس إلي بعده وصح أنه عليه السلام قال للأنصار أنكم أحب الناس إلي. قال أبو محمد: وأما هذا اللفظ الذي في حديث أسامة بن زيد أنه أحب الناس إليه عليه السلام فقد روي من طريق حماد بن سلمة عن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه وأما الذي فيه ذكر أسامة وزيد رضي الله عنهما فإنما رواه عمر بن حمزة عن سالم بن عبد الله عن أبيه وعمر بن حمزة هذا ضعيف والصحيح من هذا الخبر هو ما رواه عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد لا مغمز فيه فذكر فيه أنه عليه السلام قال يعني لزيد بن حارثة إيم الله إن كان لخليق بالإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وأن هذا من أحب الناس إلي بعده وهذا يقضي على حديث موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه لأنه مختصر من حديث عبد الله بن دينار وبهذا ينتفي التعارض بين الروايتين عن أبن عمر وعن أنس وعمرو وإلا فليس أحدهما أولى من الآخر وأما حديث الأنصار فرووه كما ذكره هشام بن زيد عن أنس ورواه عبد العزيز بن صهيب عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال أنتم من أحب الناس إلي وهو حديث واحد وزيادة العدل مقبولة فصح بزيادة من في الحديث من طريق العدول أن الأنصار وزياداً وأسامة رضي الله عنهم من جملة قوم هم أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا حق لا يشك فيه لأنهم من أصحابه وأصحابه أحب الناس إليه بلا شك وليس هكذا جوابه في عائشة رضي الله عنها إذ سئل من أحب الناس إليك فقال عائشة فقيل من الرجال قال أبوها لأن هذا قطع على بيان ما سأل عنه السائل من معرفة من المنفرد البائن عن الناس بمحبته عليه السلام واعترض علينا بعض الأشعرية بأن قال أن الله تعالى يقول " قال أبو محمد: فقلنا أن هذه الآية ليست على ما ظن وإنما مراد الله تعالى " قال أبو محمد: ولولا أنه بلغنا عن بعض من يصدر لنشر العلم من زماننا وهو المهلب بن أبي صفرة التميمي صاحب عبد الله بن إبراهيم الأصيل أن أشار إلى هذا المعنى القبيح وصرح به ما انطلق لنا بالإيمان إليه لسان ولكن المنكر إذا ظهر وجب على المسلمين تغييره فرضاً على حسب طاقتهم وحسبنا الله ونعم الوكيل. قال أبو محمد: وكذلك عرض الملك لها رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولادتها في سرقة من حرير يقول له هذه زوجتك فيقول عليه السلام إن يكن من عند الله قال أبو محمد: واعترض علينا مكي بن أبي طالب المقري بأن قال يلزم على هذا أن تكون امرأة أبي بكر أفضل من علي لأن امرأة أبي بكر أعلى من منزلة علي فهي أفضل من علي. قال أبو محمد: فأجبناه بأن قلنا له وبالله تعالى نتأيد أن هذا الاعتراض ليس بشيء لوجوه أحدها أن ما بين درجة أبي بكر ودرجة علي في الفضل الموجب لعلو درجته في الجنة على درجة علي ليست من التباين بحيث هو ما بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وبين درجة أبي بكر في الفضل الموجب لعلو درجته عليه السلام على درجات سائر الصحابة رضي الله عنهم بل قد أيقنا أن درجة أقل رجل منا في الفضل أقرب نسبة من أعلى درجة لأعلى رجل من الصحابة من نسبة درجة أفضل الصحابة إلى درجة النبي صلى الله عليه وسلم وأيضاً فليس بين أبي بكر وعلي في المباينة في الفضل ما يوجب أن تكون امرأة أبي بكر التابعة له أفضل من علي بل منازل المهاجرين الأولين الذين أوذوا في سبيل الله عز وجل متقاربة وإن تفاضلت ثم كذلك أهل السوابق مشهداً مشهداً درجهم في الفضل ثم كذلك من أسلم بعد الفتح أيضاً ويزداد الأفضل فالأفضل من المشركين في المشاهد جزاء على ذلك فنقول أن امرأة أبي بكر المستحقة بعملها الكون معه في درجته مثل أم رومان لسنا ندري أهي أفضل أم علي لأنا لا نص معنا في ذلك والتفضيل لا يعرف إلا بنص وقد قال عليه السلام خيركم القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم أو كما قال عليه السلام فجعلهم طبقات في الخير والفضل فلا شك هم كذلك في الجزاء في الجنة وإلا فكان يكون الفضل لا معنى له و قال عز وجل " قال أبو محمد: فأجبناه بأن هذا الاعتراض أيضاً لا يلزمنا ولله الحمد لأن الجنة دار ملك وطاعة وعلو منزلة ورياسة واتباع من التابع للمتبوع كما قال عز وجل " قال أبو محمد: فلما صح ما ذكرنا وكانت الملائكة طبقة واحدة إلا أنهم يتفاضلون فيها وكانت طبقة المرسلين النبيين طبقة واحدة والنبيون غير المرسلون طبقة واحدة لأنهم أيضاً يتفاضلون فيها وكل الصحابة طبقة واحدة إلا أنهم يتفاضلون فيها فوجب بلا شك أن لا يكون اتباع الرسل من النساء والأصحاب كالمتبوعين الذين هم الرسل لأن بالضرورة نعلم أن تابع الأعلى ليس لاحقاً نظير متبوعه فكيف أن يكون أعلى منه كما أن التابعيات من نساء الصحابة رضي الله عنهم لا يلحقن نظراء أزواجهن من الصحابة إذ ليس هن معهم في طبقة وإنما ينظر بين أهل كل طبقة ومن هو في طبقته ونساء النبي صلى الله عليه وسلم طبقة واحدة مع الصحابة فصح التفاضل بينهم وليس واحدة منهن ولا منهم مع الأنبياء في طبقة فلم يجزان ينظر بينهم وقد أخبر عليه السلام أنه رأى ليلة الإسراء الأنبياء عليهم السلام في السموات سماء سماء وبالضرورة نعلم أن منزلة النبي الذي هو متبوع في سماء الدنيا أمره هناك مطاع أعلى من منزلة التابع في السماء السابعة للنبي الذي هناك وإذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يأتي مع أمته فنحن مع نبينا صلى الله عليه وسلم فإن كان ما ألزمناه مكي لازماً لنا فيلزمه مثل ذلك فينا أيضاً أن نكون أفضل من الأنبياء وهذا غير لازم لما ذكرنا من أنه لا ينظر في الفضل إلا بين من كان من أهل طبقة واحدة فمن كان منهم أعلى منزلة من الآخر كان أفضل منه بلا شك وليس ذلك في الطباق المختلفة ألا ترى أن كون مالك خازن النار في مكان غير مكان خازن الجنة وغير مكان جبرائيل لا تحط درجته عن درجة من في الجنة من الناس الذين الملائكة جملة أفضل منهم لأن مالكا متبوع للنار ومقدم مطاع مفضل بذلك على التابعين والخدمة في الجنة بلا شك فبطل هذا الشغب ويجمع هذا الجواب باختصار وهو أن الرؤساء والمتبوعين في كل طبقة في الجنة أعلى من التابعين لهم ونساء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كلهم أتباع له عليه السلام وجميع الأنبياء متبوعون فإنما ينظر بين المتبوعين أيهم أفضل وينظر بين الأتباع أيهم أفضل ويعلم الفضل بعلو درجة كل فاضل من دونه في الفضل ولا يجوز أن ينظر بين الأتباع والمتبوعين لأن المتبوعين لا يكونون البتة أحط درجة من التابعين وبالله تعالى التوفيق. فإن قال قائل فكيف يقولون في الحور العين أهن أفضل من الناس ومن الأنبياء كما قلتم في الملائكة. فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن الفضل لا يعرف إلا ببرهان مسموع من الله تعالى في القرآن أو من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولم نجد الله تعالى نص على فضل الحور العين كما نص على فضل الملائكة وإنما نص على أنهن مطهرات حسان عرب أتراب يجامعن ويشاركن أزواجهن في اللذات كلها وأنهن خلقن ليلتذ بهن المؤمنون فإذا الأمر هكذا فإنما محل الحور العين محل من هن له فقط إن ذلك اختصاص لهن بلا عمل وتكليف فهن خلاف الملائكة في ذلك وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: ومما يؤكد قولنا قول الله تعالى أن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون وهذا النص إذ قد صح فقد وجب الإقرار به فلو عجزنا عن تفضيل بعض أقسام هذه الاعتراضات لما ألزمنا في ذلك نقصاً إذ لا يجوز الاعتراض على هذا النص وكلما صح بيقين فلا يجوز أن يعارض بيقين آخر والبرهان لا ببطله برهان وقد أوضحنا أن الجنة دار جزاء على أعمال المكلفين فأعلاهم درجة أعلاهم فضلاً ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أعلا درجة في الجنة من جميع الصحابة فهن أفضل منهن فمن أبي هذا فليخبرنا ما معنى الفضل عنده إذ لا بد أن يكون لهذه الكلمة معنى فإن قال لا معنى لها فقد كفانا مؤنته وإن قال إن لها معنى سألناه ما هو فإنه لا يجد غير ما قلنا وبالله تعالى التوفيق فكيف وقد أبينا بتأييد الله عز وجل لنا على كلما اعترض علينا به في هذا الباب ولاح الوجه في ذلك بيناً والحمد لله رب العالمين. قال أبو محمد: واستدركنا بياناً زائداً في قول النبي صلى الله عليه وسلم في أن فاطمة سيدة نساء المؤمنين أو نساء هذه الأمة فنقول وبالله تعالى التوفيق إن الواجب مراعاة ألفاظ الحديث وإنما ذكر عليه السلام في هذا الحديث السادة ولم يذكر الفضل وذكر عليه السلام في حديث عائشة الفضل نصاً بقوله عليه السلام " وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". قال أبو محمد: والسادة غير الفضل ولا شك أن فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء العالمين بولادة النبي صلى الله عليه وسلم لها فالسادة من باب الشرف لا من باب الفضل فلا تعارض بين الحديثين والحمد لله رب العالمين وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما وهو حجة في اللغة العربية كان أبو بكر خيراً وأفضل من معاوية وكان معاوية أسود من أبي بكر ففرق ابن عمر بين السادة والفضل والخير وقد علمنا أن الفضل هو الخير نفسه لأن الشيء إذا كان خيراً من شيء آخر فهو أفضل منه بلا شك. قال أبو محمد: وقد قال قائل ممن يخالفنا في هذا قال الله عز وجل " قيل له قد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه ذلك النقص وهو كون شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل وكونها إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم وليس هذا بموجب نقصان الفضل ولا نقصان الدين والعقل في غير هذين الوجهين فقط إذ بالضرورة ندري أن في النساء من هن أفضل من كثير من الرجال وأتم ديناً وعقلاً غير الوجوه التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقاً فصح يقيناً أنه إنما عبر عليه السلام ما قد بينه في الحديث نفسه من الشهادة والحيض فقط وليس ذلك مما ينقص الفضل فقد علمنا أن أبا بكر وعمر وعلياً لو شهدوا في زنا لم يحكم بشهادتهم ولو شهد به أربعة منا عدول في الظاهر حكم بشهادتهم وليس ذلك بموجب أننا أفضل من هؤلاء المذكورين وكذلك القول في شهادة النساء فليست الشهادة من باب التفاضل في ورد ولا صدر لكن يقفا فيها عند ما حده النص فقط ولا شك عند كل مسلم في أن صواحبه من نسائه وبناته عليهم السلام كخديجة وعائشة وفاطمة وأم سلمة أفضل ديناً ومنزلة عند الله تعالى من كل تابع أتى بعدهن ومن كل رجل يأتي في هذه الأمة إلى يوم القيامة فبطل الاعتراض بالحديث المذكور وصح أنه على ما فسرناه وبيناه والحمد لله رب العالمين. وأيضاً فقول الله تعالى " قال أبو محمد: فإن اعترض معترض بقول النبي صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وامرأة فرعون فإن هذا الكمال إنما هو الرسالة والنبوة التي انفرد بها الرجال وشاركهم بعض النساء في النبوة وقد يتفاضلون أيضاً فيها فيكون بعض الأنبياء أكمل من بعض ويكون بعض الرسل أكمل من بعض قال الله عز وجل " قال أبو محمد: وأما أفضل نسائه فعائشة وخديجة رضي الله عنهما لعظم فضائلهما وإخباره عليه السلام أن عائشة أحب الناس إليه وأن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وقد ذكر عليه السلام خديجة بنت خويلد فقال أفضل نسائها مريم بنت عمران وأفضل نسائها خديجة بنت خويلد مع سابقة خديجة في الإسلام وثباتها رضي الله عنها ولأم سلمة وسودة وزينب بنت جحش وزينب بنت خزيمة وحفصة سوابق في الإسلام عظيمة وأحمال للمشقات في الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والهجرة والغربة عن الوطن والدعاء إلى الإسلام والبلاء في الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ولكلهن بعد ذلك الفضل المبين رضوان الله عليهن أجمعين. قال أبو محمد: وهذه مسألة نقطع فيها على أننا المحققون عند الله عز وجل وأن من خالفنا فيها مخطئ عند الله عز وجل بلا شك وليست مما يسع الشك فيه أصلاً. قال أبو محمد: فإن قال قائل هل قال هذا أحد قبلكم قلنا له وبالله تعالى التوفيق وهل قال غير هذا أحد من قبل يخالفنا الآن وقد علمنا ضرورة أن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم منزلة من الفضل بلا شك فلا بد من البحث عنها فليقل مخالفنا في أي منزلة نضعهن أبعد جميع الصحابة كلهم فهذا ما لا يقوله أحد أم بعد طائفة منهم فعليه الدليل وهذا ما لا سبيل له إلى وجوده وإذ قد بطل هذان القولان أحدهما بالإجماع على أنه باطل والثاني لأنه دعوى لا دليل عليها ولا برهان فلم يبق إلا قولنا والحمد لله رب العالمين الموفق للصواب بفضله ثم نقول وبالله تعالى نستعين قد صح أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس حين ولي بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أيها الناس إني وليتكم ولست بخيركم فقد صح عنه رضي الله عنه أنه أعلن بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم أنه ليس بخيرهم ولم ينكر هذا القول منهم أحد فدل على متابعتهم له ولا خلاف أنه ليس في أحد من الحاضرين لخطبته إنسان يقول فيه أحد من الناس أنه خير من أبي بكر إلا علي وابن مسعود وعمرو أما جمهور الحاضرين من مخالفينا في هذه المسألة من أهل السنة والمرجئة والمعتزلة والخوارج فإنهم لا يختلفون في أن أبا بكر أفضل من علي وعمر وابن مسعود وخير منهم فصح أنه لم يبق إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فإن قال قائل إنما قال أبو بكر هذا تواضعاً قلنا له هذا هو الباطل المتيقن لأن الصديق الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الاسم لا يجوز أن يكذب وحاشا له من ذلك ولا يقول إلا الحق والصدق فصح أن الصحابة متفقون في الأغلب على تصديقه في ذلك فإذ ذلك كذلك وسقط بالبرهان الواضح أن يكون أحد من الصحابة رضي الله عنهم خيراً من أبي بكر لم يبق إلا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساؤه ووضح أننا لو قلنا أنه إجماع من جمهور الصحابة لم يبعد من الصدق. قال أبو محمد: وأيضاً فإن يوسف بن عبد الله النمري حدثنا قال حدثنا خلف بن قاسم ثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي الكندي حدثنا محمد بن العباس البغدادي ثنا إبراهيم ابن محمد البصري ثنا أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني قال كان عمار بن ياسر والحسن ابن علي يفضلان علي بن أبي طالب على أبي بكر الصديق وعمر حدثنا أحمد بن محمد الخوزي ثنا أحمد بن الفضل الدينوري ثنا محمد بن جرير الطبري أن علي بن أبي طالب بعث عمار بن ياسر والحسن بن علي إلى الكوفة إذ خرجت أم المؤمنين إلى البصرة فلما أتياها اجتمع إليهما الناس في المسجد فخطبهم عمار وذكر لهم خروج عائشة أم المؤمنين إلى البصرة ثم قال لهم إني أقول لكم ووالله إني لأعلم أنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة كما هي زوجته في الدنيا ولكن الله ابتلاكم بها لتطيعوها أو لتطيعوه فقال له مسروق أو أبو الأسود يا أبا اليقظان فنحن مع من شهدت له بالجنة دون من لم تشهد له فسكت عمار و قال له الحسن اعن نفسك عنا فهذا عمار والحسن وكل من حضر من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين والكوفة يؤمئذٍ مملؤة منهم يسمعون تفضيل عائشة على علي وهو عند عمار والحسن أفضل من أبي بكر وعمر فلا ينكرون ذلك ولا يعترضونه أحوج ما كانوا إلى إنكاره فصح أنهم متفقون على أنها وأزواجه عليه السلام أفضل من كل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام ومما نبين أن أبا بكر رضي الله عنه لم يقل وليتكم ولست بخيركم إلا محقاً صادقاً لا تواضعاً يقول فيه الباطل وحاشا له من ذلك ما حدثناه أحمد بن محمد الطلمنكي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مفرج ثنا محمد بن أيوب الصموت الرفي أنا أحمد بن عمر بن عبد الخالق البران ثنا عبد الملك ابن سعد ثنا عقبة بن خالد ثنا شعبة بن الحجاج ثنا الحريري عن أبي بصرة عن أبي سعيد الخدري قال قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ألست أحق الناس بها أو لست أول من أسلم ألست صاحب كداء. قال أبو محمد: فهذا أبو بكر رضي الله عنه يذكر فضائل نفسه إذ كان صادقاً فيها فلو كان أفضلهم لصرح به وما كتمه وقد نزهه الله تعالى عن الكذب فصح قولنا نصاً والحمد لله رب العالمين. قال أبو محمد: ثم وجب القول فيمن هو أفضل الصحابة بعد نساء النبي صلى الله عليه وسلم فلم نجد لمن فضل ابن مسعود أو عمر أو جعفر بن أبي طالب أو أبا سلمة أو الثلاثة إلا سهليين على جميع الصحابة حجة يعتمد عليها ووجدنا من يوقف لم يزد على أنه لم يلح له البرهان أنهم أفضل ولو لاح له ل قال به ووجدنا العدد والمعارضة في القائلين بأن علياً أفضل أكثر فوجب أن أتى بما شغبوا به ليلوح الحق في ذلك وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: وجدناهم يحتجون بأن علياً كان أكثر الصحابة جهاداً وطعناً في الكفار وضرباً والجهاد افضل الأعمال. قال أبو محمد: هذا خطأ لأن الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة أحدها الدعاء إلى الله عز وجل باللسان والثاني الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير والثالث الجهاد باليد في الطعن والضرب فوجدنا الجهاد في اللسان لا يلحق فيه أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر أما أبو بكر فإن أكابر الصحابة رضي الله عنهم أسلموا على يديه فهذا أفضل عمل وليس لعلي من هذا كثير حظ وأما عمر فإنه من يوم أسلم عز الإسلام وعبد الله تعالى بمكة جهراً وجاهد المشركين بمكة بيديه فضرب وضرب حتى ملوه فتركوه فعبد الله تعالى علانية وهذا أعظم الجهاد فقد انفرد هذان الرجلان بهذين الجهادين الذين لا نظير لهما ولا حظ لعلي في هذا أصلاً وبقي القسم الثاني وهو الرأي والمشورة فوجدناه خالصاً لأبي بكر ثم لعمر وبقي القسم الثالث وهو الطعن والضرب والمبارزة فوجدناه أقل مراتب الجهاد ببرهان ضروري وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك عند كل مسلم أنه المخصوص بكل فضيلة فوجدنا جهاده عليه السلام إنما كان في أكثر أعماله وأحواله القسمين الأولين من الدعاء إلى الله عز وجل والتدبير والإرادة وكان أقل عمله صلى الله عليه وسلم الطعن والضرب والمبارزة لا عن جبن بل كان عليه السلام أشجع أهل الأرض قاطبة نفساً ويداً وأتمهم نجدة ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأفعال فقدمه عليه السلام ويشتغل به ووجدناه عليه السلام يوم بدر وغيره كان أبو بكر رضي الله عنه معه لا يفارقه إيثاراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك واستظهاراً برأيه في الحرب وأنساً بمكانه ثم كان عمر ربما شورك في ذلك أيضاً وقد انفرد بهذا المحل دون علي ودون سائر الصحابة إلا في الندرة ثم نظرنا مع ذلك في هذا القسم من الجهاد الذي هو الطعن والضرب والمبارزة فوجدنا علياً رضي الله عنه لم ينفرد بالنسوق فيه بل قد شاركه في ذلك غيره شركة العنان كطلحة والزبير وسعد وممن قتل في صدر الإسلام كحمزة وعبيدة بن الحارث بن المطلب ومصعب بن عمير ومن الأنصار سعد ابن معاذ وسماك ابن خرسة وغيرهما ووجدنا أبا بكر وعمر قد شاركاه في ذلك بحظ حسن وإن لم يلحقا بحظوظ هؤلاء وإنما ذلك لشغلهما بالأفضل من ملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وموازرته في حين الحرب وقد بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على البعوث أكثر مما بعث علياً وقد بعث أبا بكر إلى بني فزارة وغيرهم وبعث عمر إلى بني فلان وما نعلم لعلي بعثاً إلا إلى بعض حصون خيبر ففتحه وقد بعث قبله أبا بكر وعمر فلم يفتحاه فحصل أربع أنواع الجهاد لأبي بكر وعمر وقد شاركا علياً في أقل أنواع الجهاد مع جماعة غيرهم. قال أبو محمد: واحتج أيضاً من قال بأن علياً كان أكثرهم علماً. قال أبو محمد: كذب هذا القائل وإنما يعرف علم الصحابي لأحد وجهين لا ثالث لهما أحدهما كثرة روايته وفتاويه والثاني كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له فمن المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له وهذه أكبر شهادات على الهلم وسعته فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولي أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته وجميع أكابر الصحابة حضور كعلي وعمرو ابن مسعود وأبي وغيرهم فآثره بذلك على جميعهم وهذا خلاف استخلافه عليه السلام إذا غزا لأن المستخلف في الفزوة لم يستخلف إلى على النساء وذو الأعذار فقط فوجب ضرورة أن نعلم أن أبا بكر أعلم الناس بالصلاة وشرايعها وأعلم المذكورين بها وهي عمود الدين ووجدناه صلى الله عليه وسلم قد استعمله علىالصدقات فوجب ضرورة أن عنده من علم الصدقات كالذي عند غيره من علماء الصحابة لا أقل وربما كان أكثر إذ قد استعمل عليه السلام أيضاً عليها غيره وهو عليه السلام لا يستعمل إلا عالماً بما استعمله عليه والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة وبرهان ما قلنا من تمام علم أبي بكر رضي الله عنه بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها والذي يلزم العلم به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبي بكر ثم الذي من طريق عمر وأما من طريق علي فمضطرب وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه فوجدناه عليه السلام قد استعمل أبا بكر على الحج فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج وهذه دعايم الإسلام ثم وجدناه عليه السلام قد استعمله على البعوث فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على البعوث في الجهاد إذ لا يستعمل عليه السلام على العمل إلا عالماً به فعند أبي بكر من الجهاد من العلم به كالذي عند علي وسائر أمراء البعوث لا أكثر ولا أقل فإذ قد صح التقدم لأبي بكر على علي وغيره في علم الصلاة والزكاة والحج وساواه في علم الجهاد فهذه عمدة العلم ثم وجدناه عليه السلام قد ألزم نفسه في جلوسه ومآمرته وظعنه وإقامته أبا بكر مشاعد أحكامه عليه السالم وفتاويه أكثر من مشاهدة علي لها فصح ضرورة أنه أعلم بها فهل بقيت من العلم بقية إلا وأبو بكر المتقدم فيها الذي لا يلحق أو المشارك الذي لا يسبق فبطلت دعواهم في العلم والحمد لله رب العالمين وأما الرواية والفتوى فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وستة أشهر ولم يفارق المدينة غلا حاجاً أو معتمراً ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذلك كله فقد روي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنان وأربعون حدثناً مسندة ولم يرو عن علي إلا خمس مائة وست وثمانون حديثناً مسندة يصح منها نحو خمسين وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين سنة وكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى عنده لذهاب جمهور الصحابة رضي الله عنهم وكثر سماع أهل الأفاق منه مرة بصفين وأعواماً بالكوفة ومرة بالبصرة والمدينة فإذا نسبنا مدة أبي بكر من حياته وأضفنا تقري على البلاد بلداً بلداً وكثرة سماع الناس منه إلى لزوم أبي بكر موطنه وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ثم نسبنا عدد حديث من عدد حديث وفتاوي من فتاوي علم كل ذي حظ من العلم إن الذي كان عند أبي بكر من العلم أضعاف ما كان عند علي منه وبرهان ذلك أن من عمر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمراً قليلاً قل النقل عنهم ومن طال عمره منهم كثر النقل عنهم إلا اليسير من اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس وقد عاش علي بعد عمر بن الخطاب سبعة عشر عاماً غير أشهر ومسند عمر خمسماية حديث وسبعة وثلاثون حديثاً يصح منها نحو خمسين كالذي عن علي سواء بسواء فكلما زاد حديث علي على حديث عمر تسعة وأربعين حديثاً في هذه المدة الطويلة ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديثناً أو حديثين وفتاوي عمر موازنة لفتاوي علي في أبواب الفقه فإذا نسبنا مدة من مدة وضربنا في البلاد من ضرب فيها وأضفنا حديثاً إلى حديث وفتاوي إلى فتاوي علم كل ذي حس علماً ضرورياً أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي من العلم ثم وجدنا الأمر كل ما طال كثرت الحاجة إلى الصحابة فيما عندهم من العلم فوجدنا حديث عائشة رضي الله عنها ألفي مسند ومائتي مسند وعشرة مسانيد وحديث أبي هريرة خمسة آلاف مسند وثلثماية مسند وأربع وسبعين مسنداً ووجدنا مسند بن عمر وأنس قريباً من مسند عائشة لكل واحد منهما ووجدنا مسند جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس لك واحد منهما أزيد من ألف وخمسماية ووجدنا لابن مسعود ثمان ماية مسند ونيف ولكل من ذكرنا حاشا أبا هريرة وأنس بن مالك من الفتاوي أكثر من فتاوي علي أو نحوها فبطل قول هذه الوقاح الجهال فإن عاندنا معاند في هذا الباب جاهل أو قليل الحيا لاح كذبه وجهله فإنا غير مهتمين على حط أحد من الصحابة رضي الله عنهم عن مرتبته ولا على رفعه فوق مرتبته لأننا لو انحرفنا عن علي رضي الله عنه ونعوذ بالله من ذلك لذهبنا فيه مذهب الخوارج وقد نزهنا الله عز وجل عن هذا الضلال في التعصب ولو غلونا فيه لذهبنا فيه مذهب الشيعة وقد أعاذنا الله تعالى من هذا الأفك في التعصب فصار غيرنا من المنحرفين عنه أو الغالين فيهم هم المتهمون فيه إما له وإما عليه وبعد هذا كله وليس يقدر من ينتمي إلى الإسلام أن يعاند في الاستدلال على كثرة العلم باستعمال النبي صلى الله عليه وسلم وبمن استعمله منهم على ما استعمله عليه من أمور الدين فإن قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل علياً على الأخماس وعلى القضا باليمن قلنا لهم نعم ولكن مشاهدة أبي بكر لا قضية رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى في العلم وأثبت مما عند علي وهو باليمن وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على بعوث فيها الأخماس فقد ساوى علمه علم علي في حكمها بلا شك إذ لا يستعمل عليه السلام إلا عالماً بما يستعمله عليه وقد صح أن أبا بكر وعمر كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليه السلام يعلم ذلك ومحال ذلك أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم ممن دونهما وقد استعمل عليه السلام أيضاً على القضاء باليمن مع علي معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري فلعلي في هذا شركاء كثير منهم أبو بكر وعمر ثم انفرد أبو بكر بالجهور الأغلب من العلم على ما ذكرنا. و قال هذا القائل أن علينا كان إقرا الصحابة. قال أبو محمد: وهذه القحة المتجردة والبهتان لوجوه أولها أنه رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه عليه السلام قال يوم القوم اقرؤهم فإن استووا فافقهم فإن استووا فأقدمهم هجرة ثم وجدناه عليه السلام قد قدم أبا بكر على الصلاة مدة الأيام التي مرض فياه وعلي بالحضرة يراه النبي صلى الله عليه وسلم غدوة وعشية فما رأى لها عليه السلام أحداً أحق من أبي بكر بها فصح أنه كان اقرؤهم وأفقهم وأقدمهم هجرة وقد يكون من لم يجمع حفظ القرآن كله على ظهر قلب اقرأ ممن جمعه كله عن ظهر قلب فيكون ألفظ به وأحسنهم ترتيلاً هذا على أن أبا بكر وعمر وعلي لم يستكمل أحد منهم حفظ سوار القرآن كله ظاهراً إلا أنه قد وجب يقيناً بتقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على الصلة وعلي حاضر إن أبا بكر أقرأ من علي وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقدم إلى الإمامة الأقل علماً بالقراة على الأقرأ أو الأقل فقهاً قال أبو محمد: كذب هذا الأفك ولقد كان علي رضي الله عنه تقياً إلى أن الفاضل بتفاضل فيها أهلها وما كان أتقاهم لله إلا أبا بكر والبرهان على ذلك أنه لم يسوء قط أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمة ولا خالف إرادته عليه السلام في شيء قط ولا تأخر عن تصديقه ولا تردد عن الائتمار له يوم الحديبية إذ تردد من تردد وقد تظلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر إذ أراد علي نكاح ابنة أبي جهل بما قد عرف وما وجدنا قط لأبي بكر توقفاً عن شيء أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة عذره فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجاز له فعله وهي إذ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبا فوجده يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر تأخر فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن أقم مكانك فحمد الله تعالى أبو بكر على ذلك ثم تأخر فصار في الصف وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس فلما سلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تثبت حين أمرتك فقال أبو بكر ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: فهذا غاية التعظيم والطاعة والخضوع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وما أنكر عليه السلام ذلك عليه وإذ قد صح بالبرهان الضروري الذي ذكرنا أن أبا بكر أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وجب أنه أخشاهم لله عز وجل قال الله عز وجل " قال أبو محمد: كذب هذا الجاهل وبرهان ذلك أن الزهد إنما هو غروب النفس عن حب الصوت وعن المال وعن اللذات وعن الميل إلى الولد والحاشية ليس الزهد معنى يقع عليه اسم الزهد إلا هذا المعنى فأما غروب النفس عن المال فقد علم كل من له أدنى بصر بشيء من الأخبار الخالية أن أبا بكر أسلم وله مال عظيم قيل أربعين ألف درهم فأنفقها كلها في ذات الله تعالى وعتق المستضعفين من العبيد المؤمنين المعذبين في ذات الله عز وجل ولم يعتق عبيداً جلداً يمنعونه لكن كل معذب ومعذبة في الله عز وجل حتى هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق لأبي بكر من جميع ماله إلا ستة ألف درهم حملها كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبق لبنيه منها درهم ثم أنفقها كلها في سبيل الله عز وجل حتى لم يبق له شيء في عبادة له قد خللها بعود إذا نزل افترشها وإذا ركب لبسها إذ تمول غيره من الصحابة رضي الله عن جميعهم واقتنوا الرباع الواسعة والضياع العظيمة من حلها وحقها إلا أن من آثر بذلك سبيل الله عز وجل أزهد ممن أنفق وأمسك ثم ولي الخلافة فما اتخذ جارية ولا توسع في مال وعد عند موته ما أنفق على نفسه وولده من مال الله عز وجل الذي لم يستوف منه إلا بعض حقه وأمر بصرفه إلى بيت المال من صلب ماله الذي حصل له من شهامة في المغازي والمقاسم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا هو الزهد في اللذات والمال الذي لا يدانيه فيه أحد من الصحابة لا علي ولا غيره إلا أن يكون أبا ذر وأبا عبيدة من المهاجرين الأولين فإنهما جريا على هذه الطريقة التي فارقا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسع من سواهم من الصحابة رضي الله عنهم في المباح الذي أحله الله عز وجل لهم إلا أن من أثر على نفسه فضل ولولا أن أبا ذر لم يكن له سابقة غيره لما تقدمه إلا من كان مثله فهذا هو الزهد في المال واللذات ولقد تلا أبو بكر عمر رضي الله عنهما في هذا الزهد فكان فوق علي في ذلك يعني في إعراضه عن المال واللذات وأما علي رضي الله عنه فتوسع في هذا الباب من حله ومات عن أربع زوجات وتسع عشرة أم ولد سوى الخدم والعبيد وتوفي عن أربعة وعشرين ولداً من ذكر وأنثى وترك لهم من العقار والضياع ما كانوا به من أغنياء قومهم وماسيرهم هذا أمر مشهور لا يقدر على إنكاره من له أقل علم بالأخبار والآثار ومن جملة عقاره التي تصدق بها كانت تغل ألف وسق تمراً سوى زرعها فأين هذا من هذا وأما حب الولد والميل إليهم وإلى الحاشية فالأمر في هذا أبين من أن يخفى على أحد له أقل علم بالأخبار فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه من القرابة والولد مثل طلحة بن عبيد الله من المهاجرين الأولين والسابقين من ذوي الفضائل العظيمة في كل باب من أبواب الفضل في الإسلام ومثل ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وله مع النبي صلى الله عليه وسلم صحبة قديمة وهجرة سابقة وفضل ظاهر فما استعمل أبو بكر رضي الله عنه منهم أحداً على شيء من الجهات وهي بلاد اليمن كلها على سعتها وكثرة استعمالها وعمان وحضرموت والبحرين واليمامة والطايف ومكة وخيبر وسائر أعمال الحجاز ولو استعملهم لكانوا لذلك أهلاً ولكن خشي المحاباة ويوقع أن يميله إليهم شيء من الهوى ثم جرى عمر على مجراه في ذلك فلم يستعمل من بني عدي بن كعب أحداً على سعة البلاد وكثرتها وقد فتح الشام ومصر وجميع مملكة الفرس إلى خراسان إلا النعمان بن عدي وحده على ميسان ثم أسرع عزله وفيهم من الهجرة ما ليس في شيء من اتخاذ قريش لأن بني عدي لم يبق منهم أحد بمكة إلا هاجر وكان فيهم مثل سعيد بن زيد أحد المهاجرين الأولين ذوي السوابق وأبي الجهم ابن حذيفة وخارجة بن حذافة ومعمر بن عبد الله وابنه عبد الله بن عمر ثم لم يستخلف أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو صاحب من الصحابة ولا استعمل عمر ابنه عبد الملك على الخلافة وهو من فضلاء الصحابة وخيارهم وقد رضي له الناس وكان لذلك أهلاً ولو استخلفه لما اختلف عليه أحد فما فعل ووجدنا علياً رضي الله عنه إذ ولي قد استعمل أقاربه عبد الملك بن عباس على البصرة وعبيد الله بن عباس على اليمن وخثعم ومعبدا ابني العباس على مكة والمدينة وجعدة بن نميرة وهو ابن أخته أم هاني بنت أبي طالب على خراسان ومحمد بن أبي بكر وهو ابن امرأته وأخو ولده على مصر ورضي ببيعة الناس للحسن ابنه بالخلافة ولسنا ننكر استحقاق الحسن للخلافة ولا استحقاق عبد الله بن العباس للخلافة فكيف أمارة البصرة لكنا نقول أن من زهد في الخلافة لولد مثل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر والناس متفقون عليه وفي تأمير مثل طلحة بن عبد الله وسعيد بن زيد فلا شك في أنه أتم زهد أو أعرب عن جميع معاني الدنيا نفساً ممن أخذه منها أبيح له أخذه فصح بالبرهان الضروري أن أبا بكر أزهد من جميع الصحابة ثم عمر بن الخطاب بعده و قال هذا القائل وكان علي أكثرهم صدقة. قال أبو محمد: وهذه مجاهرة بالباطل لأنه لم يحفظ لعلي مشاركة ظاهرة بالمال وأما أمر أبي بكر رضي الله عنه في إنفاق ماله في سبيل الله عز وجل فأشهر من أن تخفى على اليهود والنصارى فكيف على المسلمين ثم لعثمان بن عفان رضي الله عنه في هذا المعنى من تجهيز جيش العسرة ما ليس لغيره فصح أن أبا بكر أعظم صدقة وأكثر مشاركة وغنا في الإسلام بماله من علي رضي الله عنه و قالوا علي هو السابق إلى الإسلام ولم يعبد قط وثنا. قال أبو محمد: أما السابقة فلم يقل قط أحد يعتد به أن علياًمات وله أكثر من ثلاث وستين سنة ومات بلا شك سنة أربعين من الهجرة فصح أنه كان حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ابن ثلاث وعشرين سنة وكانت مدة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة في النبوة ثلاث عشرة سنة فبعث عليه السلام ولعلي عشرة أعوام فإسلام ابن عشرة أعوام ودعاؤه إليه إنما هو كتدريب المرء ولده الصغير على الدين لا أن عنده غناء ولا أن عليه إثماً إن أبى فإن أخذ الأمر على قول من قال أن علياً مات وله ثمان وخمسون سنة فإنه كان إذ بعث النبي صلى الله عليه وسلم ابن خمسة أعوام وكان إسلام ابي بكر ابن ثمان وثلاثين سنة وهو الإسلام المأمور به من عند الله عز وجل وأما من لم يبلغ الحلم فغير مكلف ولا مخاطب فسابقة أبي بكر وعمر بلا شك أسبق من سابقة علي. وأما عمر فإنه كان إسلامه تأخر بعد البعث بستة أعوام فإن عناءه كان أكثر من عناء أكثر من أسلم قبله ولم يبلغ على حد التكليف إلا بعد أعوام من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وبعد أن أسلم كثير من الصحابة رجال ونساء بعد أن عذبوا في الله تعالى ولقوا فيه الألاقي وأما كونه لم يعبد وثناً فنحن وكل مولود في الإسلام لم يعبد قط وثناً وعمار والمقداد وسلمان وأبو ذر وحمزة وجعفر رضي الله عنهم قد عبدوا الأوثان أفترانا أفضل منهم من أجل ذلك معاذ الله من هذا فإنه لا يقوله مسلم فبطل أن يكون هذا يوجب لعلي فضلاً زائداً وإلا لكانت عائشة سابقة لعلي رضي الله عنهما في هذا الفضل لأنها كانت إذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بنت ثماني سنين وأشهر ولم تولد إلا بعد إسلام أبيها بسنين وعلي ولد وأبوه عابد وثن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسنين وعبد الله بن عمر أيضاً أسلم أبوه وله أربع سنين لم يعبد قط وثناً فهو شريك لعلي في هذه الفضيلة. و قال بعضهم علي كان أسوسهم. قال أبو محمد: وهذا باطل لا خفاء به على مؤمن ولا كافر فقد دري القريب والبعيد والعالم والجاهل والمؤمن والكافر من سائر الإسلام إذ كفر من كفر من أهل الأرض بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وأذعن الجميع للبقية وقبول ما ادعت إليه العرب حاشا أبا بكر فهل ثبت أحد ثبات أبي بكر على كلب العدو وشدة الخوف حتى دخلوا في الإسلام أفواجاً كما خرجوا منه أفواجاً وأعطوا الزكاة طائعين وكارهين ولم تهله جموعهم ولا تضافرهم ولا قلة أهل الإسلام حتى أنار الله الإسلام وأظهره ثم هل ناطح كسرى وقيصر على أسرة ملكها حتى أخضع حدود فارس والروم وصرع حدودهم ونكس راياتهم وظهر الإسلام في أقطار الأرض وذل الكفر وأهله وشبع جائع المسلمين وعز ذليلهم واستغنى فقيرهم وصاروا إخوة لا اختلاف بينهم وقرؤوا القرآن وتفقهوا في الدين إلا أبو بكر ثم ثنى عمر ثم ثلث عثمان ثم قد رأى الناس خلاف ذلك كله وافتراق كلمة المؤمنين وضرب المسلمين بعضهم وجوه بعض بالسيوف وشكت بعضهم قلوب بعض بالرماح وقتل بعضهم من بعض عشرات الألوف وشغلهم بذلك عن أن يفتح من بلاد الكفر قرية أو يذعر لهم سرب أو يجاهد منهم أحد حتى ارتجع أهل الكفر كثيراً مما صار بأيدي المسلمين من بلادهم فلم يجتمع المسلمون إلى يوم القيامة فأين سياسة من سياسة. قال أبو محمد: فإذ قد بطل كلما ادعاه هؤلاء الجهال ولم يحصلوا إلا على دعاوي ظاهرة الكذب لا دليل على صحة شيء منها وصح بالبرهان كما أوردنا أن أبا بكر هو الذي فاز بالقدح المعلى والسبق المبرز والحظ الأسنى في العلم والقرآن والجهاد والزهد والتقوى والخشية والصدقة والعتق والمشاركة والطاعة والسياسة فهذه وجوه الفضل كلها فهو بلا شك أفضل من جميع الصحابة كلهم بعد نساء النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: ولم يحتج عليهم بالأحاديث لأنهم لا يصدقون أحاديثنا ولا نصدق أحاديثهم وإنما اقتصرنا على البراهين الضرورية بنقل الكواف فإن كانت الإمامة تستحق بالتقدم في الفضل فأبو بكر أحق الناس بها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يقيناً فكيف والنص على خلافته صحيح وإذ قد صحت إمامة أبي بكر رضي الله عنه فطاعته فرض في استخلافه عمر رضي الله عنه فوجبت إمامة عمر فرضاً بما ذكرنا وبإجماع أهل الإسلام عليهما دون خلاف من أحد قطعاً ثم أجمعت الأمة كلها أيضاً بلا خلاف من أحد منهم على صحة إمامة عثمان والدينونة بها وأما خلافة علي فحق لا بنص ولا بإجماع لكن ببرهان سنذكره إن شاء الله في الكلام في حروبه. قال أبو محمد: ومن فضائل أبي بكر المشهورة قوله عز وجل " قال أبو محمد: فاعترض في هذا بعض أهل القحة فقال قد قال الله عز وجل " قال أبو محمد: وهذه مجاهره بالباطل أما قوله تعالى في الآية لصاحبه وهو يحاوره قد أخبر الله تعالى بأن أحدهما مؤمن والآخر كافر وبأنهما مختلفان فإنما سماه صاحبه في المجاورة والمجالسة فقط كما قال تعالى وإلى مدين أخاهم شعيباً فلم يجعله أخاهم في الدين لكن في الدار والنسب فليس هكذا قوله تعالى إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا بل جعله صاحبه في الدين والهجرة وفي الإخراج وفي الغار وفي نصرة الله تعالى لهما وإخافة الكفار لهما وفي كونه تعالى معهما فهذه الصحبة غاية الفضل وتلك الأخرى غاية النقص بنص القرآن. وأما حزن أبي بكر رضي الله عنه فإنه قبل أن ينهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان غاية الرضا لله لأنه كان إشفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك كان الله معه وهو تعالى لا يكون مع العصاة بل عليهم وما حزن أبو بكر قط بعد أن نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن ولو كان لهؤلاء الأرذال حياء أو علم لم يأتوا بمثل هذا إذ لو كان حزن أبي بكر عيباً عليه لكان ذلك على محمد وموسى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيباً لأن الله عز وجل قال لموسى عليه السلام " قال أبو محمد: واعترض علينا بعض الجهال ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب خلف أبي بكر رضي الله عنهما في الحجة التي حجها أبو بكر وأخذ برآءة من أبي بكر وتولى علي تبليغها إلى أهل الموسم وقرائتها عليهم. قال أبو محمد: وهذا من أعظم فضائل أبي بكر لأنه كان أميراً على علي بن أبي طالب وغيره من أهل الموسم لا يدفعون إلا بدفعه ولا يقفون إلا بوقوفه ولا يصلون إلا بصلاته وينصتون إذا خطب وعلي في الجملة كذلك وسورة برآءة وقع فيها فضل أبي بكر رضي الله عنه وذكره في أمر الغار وخروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم وكون الله تعالى معهما فقراءة علي لها أبلغ في إعلان فضل أبي بكر على علي وعلى سواه وحجة لأبي بكر قاطعة وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: إلا أن تراجع الروافض إلى إنكار القرآن والنقص منه والزيادة فيه فهذا أمر يظهر فيه قحتهم وجهلهم وسخفهم إلى كل عالم وجاهل فإنه لا يمتري كافر ولا مؤمن في أن هذا الذي بين اللوحين من الكتاب هو الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم وأخبرنا بأنه أوحاه الله تعالى إليه فمن تعرض هذا فقد أقر بعين عدوه. قال أبو محمد: وما يعترض إمامة أبي بكر إلا زار علي رسول الله صلى الله عليه وسلم راد لأمره في تقديمه أبا بكر إلى الصلاة بأهل الإسلام مريد لإزالته عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: ولسنا من كذبهم في تأويلهم " قال أبو محمد: فصح بما ذكرنا فضل أبي بكر على جميع الصحابة رضي الله عنهم بعد نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالبراهين المذكورة وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر دعوا لي صاحبي فإن الناس قالوا كذبت و قال أبو بكر صدقت وقوله صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخي وصاحبي وهذا الذي لا يصح غيره وأما أخوة علي فلا تصح إلا مع سهل بن حنيف ومنها أمره صلى الله عليه وسلم بسد كل باب وخوخة في المسجد حاشا خوخة أبي بكر وهذا هو الذي لا يصح غيره ومنها غضبه صلى الله عليه وسلم على من خارج أبا بكر وعلى من أشار عليه بغير أبي بكر للصلاة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم إن أمن الناس علي في ماله أبو بكر وعمدتنا في تفضيل أبي بكر ثم عمر على جميع الصحابة بعد نساء النبي صلى الله عليه وسلم هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل من أحب الناس إليك يا رسول الله قال عائشة قيل فمن الرجال قال أبوها قيل ثم من يا رسول الله قال عمر. قال أبو محمد: فقطعنا بهذا ثم وقفنا ولو زادنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً لزدنا لكنا لا نقول في شيء من الدين إلا بما جاء به النص. قال أبو محمد: واختلف الناس فيمن أفضل أعثمان أم علي رضي الله عنهما. قال أبو محمد: والذي يقع في نفوسنا دون أن نقطع به ولا نخطئ من خالفنا في ذلك فهو أن عثمان أفضل من علي والله أعلم لأن فضائلهما تتقاوم في الأكثر فكان عثمان اقرء وكان أكثر فتيا ورواية ولعلي أيضاً حظ قوي في القراءة ولعثمان أيضاً حظ قوي في الفتيا والرواية ولعلي مقامات عظيمة في الجهاد بنفسه ولعثمان مثل ذلك بماله ثم انفرد عثمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع ليساره المقدسة عن يمين عثمان في بيعة الرضوان وله هجرتان وسابقة قديمة وصهر مكرم محمود ولم يحضر بدراً فألحقه الله عز وجل فيهم بأجره التام وسهمه فألحقه بمن حضرها فهو معدود فيهم ثم كانت له فتوحات في الإسلام عظيمة لم تكن لعلي وسيرة في الإسلام هادية ولم يتسبب بسفك دم مسلم وجاءت فيه آثار صحاح وأن الملائكة تستحي منه وأنه ومن أتبعه على الحق والذي صح من فضائل علي فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقوله عليه السلام لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهذه صفة واجبة لكل مؤمن وفاضل وعهده عليه السلام أن علياً لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق وقد صح مثل هذه في الأنصار رضي الله عنهم أنه لا يبغضهم من يؤمن بالله واليوم الآخر وأما من كنت مولاه فعلي مولاه فلا يصح من طريق الثقات أصلاً وأما سائر الأحاديث التي تتعلق بها الرافضة فموضوعة يعرف ذلك من له أدنى علم بالأخبار ونقلتها. قال أبو محمد: ونقول تفضل المهاجرين الأولين بعد عمر بن الخطاب قطعاً إلا أننا لا نقطع بفضل أحد منهم على صاحبه كعثمان بن عفان وعثمان بن مظعون وعلي وجعفر وحمزة وطلحة والزبير ومصعب بن عمير وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وسعد وزيد بن حارثة وأبي عبيدة وبلال وسعيد بن زيد وعمار بن ياسر وأبي سلمة وعبد الله بن جحش وغيرهم من نظرائهم ثم بعد هؤلاء أهل العقبة ثم أهل بدر ثم أهل المشاهد كلها مشهداً مشهداً فأهل كل مشهد أفضل من أهل المشهد الذي بعده حتى بلغ الأمر إلى الحديبية فكل من تقدم ذكره من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم إلى تمام بيعة الرضوان فإننا نقطع على غيب قلوبهم وأنهم كلهم مؤمنون صالحون ماتوا على الإيمان والهدى والبر وكلهم من أهل الجنة لا يلج أحد منهم النار البتة لقول الله تعالى " قال أبو محمد: فلهذا لم نقطع على كل امرئ منهم بعينه لكن نقول كل من لم يكن منهم من المنافقين فهو من أهل الجنة يقيناً لأنه قد وعدهم تعالى الحسنى كلهم وأخبر أنه لا يخلف وعده وإن من سبقت له الحسنى فهو مبعد من النار لا يسمع حسيسها ولا يحزنه الفزع الأكبر وهو فيما اشتهى خالد وهذا نص قولنا والحمد لله رب العالمين. قال أبو محمد: لقد خاب وخسر من رد قول ربه عز وجل أنه رضي عن المبايعين تحت الشجرة وعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وقد علم كل أحد له أدنى علم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وعمار والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم من أهل هذه الصفة والخوارج والروافض قد انتظمت الطائفتان الملعونتان البرئة منهم خلافاً لله عز وجل وعناداً له ونعوذ بالله من الخذلان. قال أبو محمد: فهذا قولنا في الصحابة رضي الله عنهم فأما التابعون ومن بعدهم فلا نقطع على غيبهم واحداً واحداً إلا من بان منه احتمال المشقة في الصبر للدين ورفض الدنيا لغير غرض استعجله إلا أننا لا ندري على ما ذا مات وإن بلغنا الغاية في تعظيمهم وتوقيرهم والدعاء بالمغفرة والرحمة والرضوان لهم لكن نتولاهم جملة قطعاً ونتولى كل إنسان منهم بظاهره ولا نقطع على أحد منهم بجنة ولا نار لكن نرجو لهم ونخاف عليهم إذ لا نص في إنسان منهم بعينه ولا يحل الإخبار عن الله عز وجل إلا بنص من عنده لكن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيركم القرن الذي بعثت فيهم ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم ومعنى هذا الحديث إنما هو كل قرن من هذه القرون التي ذكر عليه السلام أكثر فضلاً بالجملة من القرن الذي بعده لا يجوز غير هذا البتة وبرهان ذلك أنه قد كان في عصر التابعين من هوا أفسق الفاسقين كمسلم بن عقبة المري وحبيش بن دلحة القيني والحجاج بن يوسف الثقفي وقتلة عثمان وقتلة ابن الزبير وقتلة الحسين رضي الله عنهم ولعن قتلتهم ومن بعثهم فمن خالفنا قولنا في هذا الخبر لزمه أن يقول أن هؤلاء الفساق الأخابث أفضل من كل فاضل في القرن الثالث ومن بعده كسفيان الثوري والفضيل بن عياض ومسعر بن كدام وشعبة ومنصور بن المعتمر ومالك والأوزاعي والليث وسفيان بن عيينة ووكيع وابن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه وداود بن علي رضي الله عنهم وهذا ما لا يقوله أحد وما يبعد أن يكون في زماننا وفيمن يأتي بعدنا من هو أفضل رجل من التابعين عند الله عز وجل إذ لم يأت في المنع من ذلك نص ولا دليل أصلاً والحديث المأثور في أويس القرني لا يصح لأن مداره على اسيد بن جابر وليس بالقوى وقد ذكر شعبة أنه سأل عمرو بن مرة وهو كوفي قرني مرادي من أشرف مراد وأعلمهم بهم عن اويس القرني فلم يعرفه في قومه وأما الصحابة رضي الله عنهم فبخلاف هذا ولا سبيل إلى أن يلحق أقلهم درجة أحد من أهل الأرض وبالله تعالى التوفيق. قال أبو محمد: وذهب بعض الروافض إلى أن لذوي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلاً بالقرابة فقط واحتج بقول الله تعالى " قال أبو محمد: وهذا كله لا حجة فيه أما إخباره تعالى بأنه اصطفى آل إبراهيم وآل عمران على العالمين فإنه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما إما أن يعني كل مؤمن فقد قال ذلك بعض العلماء أو يعني مؤمني أهل بيت إبراهيم وعمران لا يجوز غير هذا لأن آزر ولد إبراهيم عليه السلام كان كافراً هدواً لله لم يصطفه الله تعالى إلا لدخول النار فإن أراد الوجه الذي ذكرنا لم نمانعه ولا ننازعه في أن موسى وهارون من آل عمران وآل إسماعيل وإسحاق ويوسف ويعقوب من آل إبراهيم مصطفون على العالمين فأي حجة هاهنا لبني هاشم فإن ذكروا الدعاء المأمور به وهو اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد فالقول في هذا كما قلنا ولا فرق وهذا دعاء لكل مؤمن وقد قال تعالى " قال أبو محمد: فصح يقيناً أن الله عز جل إنما أراد بذلك الأنبياء عليهم السلام فقط وبين هذا بياناً جلياً قول الله عز وجل حاكياً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين من ذرية إبراهيم عليه السلام الظالمين من ذرية غيره و قال عز وجل إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا فخص الله تعالى بولاية إبراهيم عليه السلام من اتبع إبراهيم كائناً من كان فدخل في هذا كل مؤمن ومؤمنة ولا فضل وأما قول الله عز وجل " قال أبو محمد: ويكذب هذا الظن الفاسد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً وأبين من هذا كله قول الله تعالى " رضي الله عنهم قال أبو محمد: اختلف الناس في تلك الحرب على ثلاث فرق فقال جميع الشيعة وبعض المرجئة وجمهور المعتزلة وبعض أهل السنة أن علياً كان المصيب في حربه وكل من خالفه على خطاء و قالواصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل وطوائف من المعتزلة أن علياً مصيب في قتاله معاوية وأهل النهر ووقفوا في قتاله مع أهل الجمل و قالوا إحدى الطائفتين مخطئة ولا نعرف أيهما هي و قال ت الخوارج علي المصيب في قتاله أهل الجمل وأهل صفين وهو مخطئ في قتاله أهل النهر وذهب سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وجمهور الصحابة إلى الوقوف في علي وأهل الجمل وأهل صفين وبه يقول جمهور أهل السنة وأبو بكر بن كيسان وذهب جماعة من الصحابة وخيار التابعين وطوائف ممن بعدهم إلى تصويب محاربي علي من أصحاب الجمل وأصحاب صفين وهم الحاضرون لقتاله في اليومين المذكورين وقد أشار إلى هذا أيضاً أبو بكر بن كيسان. قال أبو محمد: أما الخوارج فقد أوضحنا خطاؤهم وخطاء أسلافهم فيما سلف من كتابنا هذا حاشا احتجاجهم بإنكار تحكيم علي الحكمين فسنتكلم في ذلك إن شاء الله تعالى كما تكلمنا في سائر أحكامهم والحمد لله رب العالمين وأما من وقف فلا حجة له أكثر من أنه لم يتبين له الحق ومن لم يتبين له الحق فلا سبيل إلى مناظرته بأكثر من أن نبين له وجه الحق حتى يراه وذكروا أيضاً أحاديث في ترك القتال في الاختلاف سنذكر لكم جملتها إن شاء الله تعالى فلم يبق إلا الطائفة المصوبة لعلي في جميع حروبه والطائفة المصوبة لمن حاربه من أهل الجمل وأهل صفين. قال أبو محمد: احتج من ذهب إلى تصويب محاربي علي يوم الجمل ويوم صفين بأن قال إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً فالطلب بأخذ القود من قاتليه فرض قال عز وجل " قال أبو محمد: هذا كلما يمكن أن تحتج به هذه الطائفة قد تقصيناه ونحن إن شاء الله تعالى متكلمون على ما ذهبت إليه كل طائفة من هذه الطوائف حتى يلوح الحق في ذلك بعون الله تعالى وتأييده. قال أبو محمد: نبدء بعون الله عز وجل بإنكار الخوارج للتحكيم. قال أبو محمد: قالوا حكم على الرجال في دين الله تعالى والله عز وجل قد حرم ذلك بقوله " قال أبو محمد: ما حكم علي رضي الله عنه قط رجلاً في دين الله وحاشاه من ذلك وإنما حكم كلام الله عز وجل كما افترض الله تعالى عليه وإنما اتفق القوم كلهم إذ رفعت المصاحف على الرماح وتداعوا إلى ما فيها على الحكم بما أنزل الله عز وجل في القرآن وهذا هو الحق الذي لا يحل لأحد غيره لأن الله تعالى يقول " قال أبو محمد: ومن البرهان على صحة ما قلناه أن من الجهل الفاضح أن يظن ظان أن علياً رضي الله عنه بلغ من التناقض في أحكامه وإتباع الهوى في دينه والجهل أن يترك سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وزيد بن ثابت وحسان بن ثابت ورافع بن خديج ومحمد بن مسلمة وكعب بن مالك وسائر الصحابة الذين لم يبايعوه فلا يجهزهم علياً وهم معه في المدينة وغيرها نعم والخوارج وهم يصيحون في نواحي المسجد بأعلا أصواتهم بحضرته وهو على المنبر في مسجد الكوفة لا حكم إلا الله لا حكم إلا الله فيقول لهم رضي الله عنه لكم علينا ثلاث لا نمنعكم المساجد ولا نمنعكم حقكم من الفيء ولا نبدؤكم بقتال ولم يبدءوهم بحرب حتى قتلوا عبد الله بن خباب ثم لم يقاتلهم بعد ذلك حتى دعاهم إلى أن يسلموا إليه قتلة عبد الله بن خباب فلما قالوا كلنا قتله قاتلهم حينئذ ثم يظن به مع هذا كله أنه يقاتل أهل الجهل لامتناعهم من بيعته هذا أفك ظاهر وجنون مختلف وكذب بحت بلا شك. قال أبو محمد: وأما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره لكن قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام وهو الإمام الواجبة طاعته فعلي المصيب في هذا ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة لكن اجتهاده اداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان والكلام فيه عن ولد عثمان وولد الحكم بن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت وهو أخو المقتول و قال له كبر كبر وروى الكبر الكبر فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة أبناء مسعود وهما ابنا عم المقتول لأنهما كان أسن من أخيه فلم يطلب معاوية من ذلك إلا ما كان له من الحق أن يطلبه وأصاب في ذلك الأثر الذي ذكرنا وإنما أخطأ في تقديمه ذلك على البيعة فقط فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فيما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لهم أجراً واحداً وللعصيب أجرين ولا عجب أعجب ممن يجيز الاجتهاد في الدماء وفي الفروج والأنساب والأموال والشرائع التي يدان الله بها من تحريم وتحليل وإيجاب ويعذر المخطئين في ذلك ويرى ذلك مباحاً لليث والبتي وأبي حنيفة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وداوود وإسحاق وأبي ثور وغيرهم كزفر وأبي يوسف ومحمد بن الحسن والحسن بن زياد وابن القاسم وأشهب وابن الماجشون والمزني وغيرهم فواحد من هؤلاء يبيح دم هذا الإنسان وآخر منهم يحرمه كمن حارب ولم يقتل أو عمل عمل قوم لوط وغير هذا كثير وواحد منهم يبيح هذا الفرج وآخر منهم يحرمه كبكر أنكحها أبوها وهي بالغة عاقلة بغير إذنها ولا رضاها وغير هذا كثير وكذلك في الشرائع والأوامر والأنساب وهكذا فعلت المعتزلة بشيوخهم كواصل وعمرو وسائر شيوخهم وفقهائهم وهكذا فعلت الخوارج بفقهائهم ومفتيهم ثم يضيقون ذلك على من له الصحبة والفضل والعلم والتقدم والاجتهاد كمعاوية وعمرو ومن معهما من الصحابة رضي الله عنهم وإنما اجتهدوا في مسائل دماء كالتي اجتهد فيها المفتون وفي المفتيين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه وفيهم من يرى قتل الحر بالعبد وفيهم من لا يراه وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر وفيهم من لا يراه فأي فرق بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله وإن كان منا وليس ذلك بموثر في عدالته وفضله ولا بموجب له فسقاً بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته وأنه صاحب الحق وإن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجراً واحداً وأيضاً في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن ماوقة تمرق بين طائفتين من أمته يقتلها أولي الطائفتين بالحق فمرقت تلك المارقة وهم الخوارج من أصحاب علي وأصحاب معاوية فقتلهم علي وأصحابه فصح أنهم أولي الطائفتين بالحق وأيضاً الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتل عمارا الفئة الباغية. قال أبو محمد: المجتهد المخطي إذا قاتل على ما يرى أنه الحق قاصداً الله تعالى نيته غير عالم بأنه مخطئ فهو فئة باغية وإن كان مأجوراً ولا حد عليه إذا ترك القتال ولا قود وأما إذا قاتل وهو يدري أنه مخطئ فهذا محارب تلزمه المحاربة والقود وهذا يفسق ويخرج لا المجتهد المخطي وبيان ذلك قول الله تعالى " قال أبو محمد: فلم يبق إلا الكلام على الوجوه التي اعترض بها من رأى قتال علي رضي الله عنه. قال أبو محمد: فنقول وبالله تعالى التوفيق أما قولهم إن أخذ القود واجب من قتلة عثمان رضي الله عنه المحاربين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم الساعين في الأرض بالفساد والهاتكين حرمة الإسلام والحرم والإمامة والهجرة والخلافة والصحبة والسابقة فنعم وما خالفهم قط علي في ذلك ولا في البرآءة منهم ولكنهم كانوا عدداً ضخماً جماً لا طاقة له عليهم فقد سقط عن علي رضي الله عنه ما لا يستطيع عليه كما سقط عنه وعن كل مسلم ما عجز عنه من قيام بالصلاة والصوم والحج ولا فرق قال الله تعالى " قال أبو محمد: فطلب علي حقه فقاتل عليه وقد كان تركه ليجمع كلمة المسلمين كما فعل الحسن ابنه رضي الله عنهما فكان له بذلك فضل عظيم قد تقدم به إنذار رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من أمتي فغبطه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء ولا لوم عليه بل هو مصيب في ذلك وبالله تعالى التوفيق.
|